الإثنين 3 يوليو 2017
مرحبا روان، أو بسم الله الرحمن الرحيم .. أما بعد.. أو مساء الخير، أو أي شيء يمكن بدء رسالة ما به..
إني شخص لا يجيد البدايات، وأعتقد أنني كذلك لا أجيد النهايات، حتى أن حياتي لم تبدأ بشكل جيد، فلقد ولدت في الرياض، في الوطن العربي، في ظهيرة الخامس من رمضان، من الذي يأتي في هذا الوقت؟ إنه توقيت سيء للغاية ومكان لا يصلح لأن تولد فيه ذبابة فما بالك بإنسان يشعر بالقلق كلما تذكر أن هناك الكثير من الجوعى والمساكين والمضطهدين في هذا العالم، أعتقد أن هذا أثر كثيراً على سير حياتي، أتخيل شعور أمي وأبي حينها.. يا له من ولد قليل أدب هذا الذي ينهك أمه و والده في شهر صيام يكون فيه الناس عادة وحوشاً جائعة ومتوترة جداً من الجوع، الجوع يدعو للتوتر أكثر من الموت وأكثر من محاولة كتابة رسالة لصديقة ينهشها المرض.. هكذا بدأت.. وأعتقد أنني سأنتهي بطريقة سيئة وفي توقيت سيء.. قبل القيامة بدقائق مثلاً سأموت بينما أستمني.
ما علينا، يؤسفني ما سمعته منك، قلتي لي أن لديك ورم في أحد مبايضك، في المنطقة التي قرر الله أن تبدأ فكرة مواطن عربي منها ، المبايض كالعقول لكنها تحمل فكرة خلق البشر .. وكم هي فكرة مرعبة هذه، في منطقة تشبه العالم العربي ، حيث الصراع يبدأ بنطفة ثم يستحيل دماراً ، نحن هكذا ولدنا نحن العرب.
أنا آسف، لا أدري لماذا أتأسف لكنني لطالما شعرت أنني مسؤول عن العالم، مسؤول عن الفلاح المصري، وعن امرأة سعودية يعاملها والدها على أنها كتلة من العار والزنا وأولاد الحرام، مسؤول عن رجل صومالي لم يستمع لموسيقى أبداً غير تلك التي تصدر من بطنه، مسؤول عن يمني تنهشه الكوليرا ويدمر وطنه أولاد القحبة، مسؤول عن امرأة تتعرض للاغتصاب في درعا، فما بالك بشعوري بالمسؤولية تجاهك، أنا لم أخلق هذا العالم المرعب، فلماذا يطاردني هذا الشعور بالمسؤولية، لست مسؤولاً عن الاحتلال الصهيوني، ولست مسؤولاً عما يحدث في سوريا، ولا تربطني علاقة بأبي بكر البغدادي، ولم أساهم في ترسيخ الاستبداد في هذه البقعة العربية، لم أقتل أحداً ولم أصدر صوتاً يزعج السيد الرئيس في قصره، أنا لا شأن لي ببشاعة هذا العالم، ولقد قضيت عمري كله أحاول الهرب من شعوري بالمسؤولية.
روان، لا تبتئسي، أرجوك، فلا شيء يدعو للبؤس، أو الحزن، وسأثبت لك ذلك -تصوري أن متشائماً مثلي يمكن يكتب شيئاً يشبه المواساة- لقد قالوا أن لديك ورم، ولا يدرون حتى الآن إن كان خبيثاً أم حميداً، وبالنسبة لوجهة نظري، فلا فرق، صدقيني لا فرق.. إن كان ورماً حميداً، فسيُستأصل، بسلام ويذهب لمزبلة التاريخ.. هذا شيء جيد، سيزورك أحبابك في المشفى حينها، وستحصلين على الكثير من طاقة الحب والاهتمام، وهذا شيء جيد أليس كذاك. هناك الكثير من الورود، والحلويات، والنكات، وسيأتي الأصدقاء القدامى الذين كادوا يسقطون من ذاكرتك سهواً، ليعبروا عن تعاطفهم وحبهم واشتياقهم، وهذا بالتأكيد شيء جيد، أليس كذلك؟
وإن كان ورماً خبيثاً وابن ستة وستين كلب، فالأمر سيان، بل أراه شيئاً جيداً، أنا جاد، لا أسخر، أقسم بعينيك أنني لا أسخر ولا أستخف بمرضك، وأقسم برب موسى كذلك، ومحمد، و برب ماركس إن كان له رب، لقد قالوا أنه إن كان ورماً خبيثاً، سيُستأصل، لكنه ربما سيمنعك من الإنجاب، وهذا شيء جيد، فعلاً، إن الإنجاب شيء بغيض وبشع، بل جريمة، أنا أؤمن بهذه الفكرة تماماً، إن شخصاً في العدم لو قيل له أنه سيتم اقتلاعه من عدمه الهادئ البارد ليتم إقحامه في عالم تأكل الحشرات فيه بعضها، وتأكل الحيوانات فيه بعضها، وتأكل النباتات فيه بعضها، ويأكل البشر بعضهم وجميع ما سبق، إن قالوا أنه سيتم إقحامه في هذا المطعم الكوني المليء بالحروب والإكتئاب والنزاعات السياسية والدينية والمجازر والمجاعات وأغاني القرن الواحد والعشرين السخيفة، سيرفض رفضاً قاطعاً، بل ربما سيبدأ في إطلاق الشتائم وسينجرف : اتركوني يا أبناء العاهرات، دعوني هنا، انقلعوا لا تفسدوا علي عزلتي الصافية.
فما بالك أنك ستنجبين طفلاً عربياً، إن الجحيم فعلاً أن تولد عربياً، إن العروبة لعنة وعقاب كما قال مولانا نزار، سيطاردك تاريخ العرب مهما رحلت، ولن تنسى أن خلفك عار العرب، أن تولد عربياً يعني أن يكون محكوماً عليك بالتخلف منذ البداية، إنك وحتى إن ولدت في القرن الواحد والعشرين، ستولد عربياً، ستولد منفصلاً زمانياً عن عصرك، وستعاني من أشياء حدثت قبل سنوات وقبل قرون وما زالت تقرر مصيرك حتى اليوم وحتى الغد، ستولد عبداً للمجتمع، وعبداً كلما صعدت للأعلى، عبداً للمجتمع، ثم عبداً للحكومة، ثم عبداً لدول المنطقة، ثم عبداً للدول العظمى، ثم في النهاية ستحاول أن تكون عبداً لله فقط، وربما تموت أو تجن وأنت تحاول.
أن تولد عربياً، وفي السعودية تحديداً فهذا أمر مرعب حقاً، فهنا لن تتعلم الموسيقى، وإن حاولت فسيتطلب الأمر منك مجهود مناضل كوبي لتحقيق ذلك وربما ستحتاج لأضعاف المجهود، فأولاً عليك أن تقنع والديك أنك تريد أن تصبح موسيقياً، وهذا الأمر يشبه أن يقنع ولد قرشي والديه المشركين بأنه صبأ عن دين آلهته وأجداده، ثانياً عليك أن تحارب المجتمع -الذي يكره الموسيقى- ويقيم مهرجانات لتكسير الأعواد تشبه مهرجانات صراع الثيران.. ثم لا أظنك ستتعلم الموسيقى بل ستجرفك الأحداث لتصبح ناقماً على المجتمع يكتب قصيدة شتائم كل يوم ويكتئب كل ثلاث ساعات.
أن تكون عربياً فهذا يعني أنه من الوارد والطبيعي أن تنتهي حياتك لمجرد فكرة تعتنقها، أو لمجرد كلمة تقولها، أو لمجرد أنك تخالفهم في نقطة داخل المذهب، أو في المذهب كله، أو في أمر اجتماعي أو في نقطة سياسية، أنا لم أتحدث حتى الآن عن أن تخالفهم في الدين نفسه، فهذا الشيء مجرد التفكير فيه سيجلب الكواري.
دعينا من هذا، أعلم جداً أنك جميلة جداً، فماذا لو أنجبتي طفلاً جميلاً هنا، سيعاني كثيراً مع أسطول البيدوفيليين الذي يعيش بيننا، سيعاني في المدرسة، وفي الشارع، وسيصاب بلعنات الاكتئاب والاهتزاز في الثقة بالنفس، وربما ينتهي به الأمر منتحراً، أو مجنوناً.
وكل هذا الذي قلته يهون، هين جداً مقابل أن تنجبي أنثى في السعودية، ولا أظنني أعلم منك بما يمكن أن يحدث لامرأة تعيش في السعودية.
الجميع يعلم، حتى أولئك الذين لم يدخلوا السعودية يوماً، فما بالك بك، وبي، وبالنساء اللاتي يمكن أن يقرأن هذه الرسالة.
في النهاية كوني بخير، ولا تنجبي عربياً بائساً جديداً أرجوك.